هَلُوعًا} [المعارج: ١٩]، ثم بيّنه اللَّه تعالى بقوله: {إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (٢٠) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا} [المعارج: ٢٠ - ٢١](١)، وإما أن يكون الإجمال من نقل اللفظ من معناه الظاهر في اللغة إلى معنى شرعي جديد، ثم بيّن الشرع المعنى المراد منه فصار مفسرًا، مثل ألفاظ الصلاة، والصيام، والزكاة، والحج، وهذا النوع الأخير أكثر أنواع الإجمال وجودًا؛ لأن كثيرًا من المسمَّيات أعطاها الشرع معنى جديدًا، ولذلك يقول الفقهاء: معناه لغة كذا، وشرعًا كذا.
والمجْمَل بهذا المعنى لم يعد موجودًا في القرآن والسنة، فقد بيَّن القرآن نفسه المراد من بعض الألفاظ المجملة، ثم بيّنت السنة الباقي، ولم ينتقل الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى الرفيق الأعلى إلا وقد بلَّغ الرسالة، وأدَّى الأمانة، وبيّن الشرعَ، وترك الأمة على بَيْضاء نقية ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، وكان رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - مبلِّغًا عن ربه، ومبيِّنًا لشرعه، تحقيقًا لقوله تعالى:{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ}[النحل: ٤٤].
ولكن المجمل موجود في كتب العلماء وكلام الناس عامة، وفي النصوص التشريعية الوضعية في القوانين واللوائح والأنظمة والقرارات، وأنها تحتاج إلى إزالة الإبهام فيها والإجمال ممن صدرت عنه، لإصدار قانون تفسيري يزيل الإبهام، أو بإصدار لائحة تنفيذية لبيان الإجمال، ولذلك تبدأ القوانين غالبًا ببيان بعض التعبيرات الواردة فيها لتُفَسَّر النصوص على ضوئها، وتبقى كلمات أخرى كثيرة مجملة.
(١) ومثل ذلك كلمة "القارعة" التي بينها القرآن بعدها مباشرة بقوله تعالى: {الْقَارِعَةُ (١) مَا الْقَارِعَةُ (٢) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ (٣) يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ (٤) وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ} [القارعة: ١ - ٥]، ويرى جمهور العلماء أن لفظ "الربا" بينته السنة وفسرته، بينما يرى بعض أصوليي الحنفية إلى اعتبار لفظ الربا من المجمل الذي لم تفسره السنة بيانًا كافيًا فانتقل إلى حيز الإشكال، فهو مشكل يحتاج إلى بحث واجتهاد من العلماء، انظر تفصيل ذلك في تفسير النصوص (١/ ٢٩٩) وما بعدها، والمراجع الواردة فيها، علم أصول الفقه ص ١٧٥، أصول الفقه الإسلامي، الزحيلي (١/ ٣٤٢).