قد يرد بعد المجمل بيان بالقول وبيان بالفعل، وكل منهما يصلح للبيان، ففي الجمع والتقديم تفصيل:
أ- إذا صدر القول والفعل من الشارع بعد مجمل، وصلح كل منهما أن يكون بيانًا، واتفقا في الغرض أي: في الدلالة بدون تناف، وعُلِمَ السابق منهما، فالسابقُ يعتبر بيانًا للمجمل، والمتأخر يعتبر تأكيدًا، حتى ولو كان المتأخر دون المتقدم في القوة؛ لأن التأكيد بشيء مستقل يصح بما هو دون المؤَكَّد، كالجمل التي يذكر بعضها بعد بعض للتأكيد، فيحصل التأكيد بالثانية، وإن كانت أضعف من الأولى، أما في المفردات فيلزم كون المؤكِّد أقوى، مثل جاءني القوم كلُّهم، لكن التأكيد بغير المستقل فيشترط فيه كون المؤكِّد أقوى؛ لأن الشيء لا يؤكد بما هو دونه.
وإن جهل الأسبق من القول أو الفعل، فيقدَّرُ أحدهما بيانًا، والآخر تأكيدًا، ولا يُقال على واحد بعينه بأنه المبيِّن.
ب- إذا صدر القول والفعل من الشارع بعد مجمل، وصلح كل منهما أن يكون بيانًا، لكن اختلفا في الدلالة، فيعتبر القول هو البيان مطلقًا عند الجمهور، سواء كان متقدمًا أم متأخرًا لأن القول يدل على البيان بنفسه، بخلاف الفعل، فإنه لا يدل إلا بواسطة انضمام القول إليه، والدَّال بنفسه أقوى من الدال بغيره، وقال أبو الحسين البصري رحمه اللَّه تعالى: المتقدم منهما هو البيان، كما في صورة اتفاقهما.
مثاله: قال تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}[آل عمران: ٩٧]، فالحج له طواف وسعي، فإذا نوى الحاج القرآن، أي: الحج والعمرة، فصارت الآية مجملة، فهل يُجزي طواف واحد وسعي واحد لهما، أم لا بدَّ من طوافين وسعيين؟ ورد في المسألة حديث قولي، وحديث فعلي.
فعن ابن عمر رضي اللَّه عنهما أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال:"مَنْ أحرمَ بالحج والعمرةِ، أجزأه طوافٌ واحدٌ، وسعي واحد، حتى يحلَّ منهما"(١).
(١) هذا الحديث رواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب، ورواه ابن ماجه.