للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمثلة ذلك كثيرة لا تحصى؛ لأن ذلك هو ما يريده الشارع من صياغته وألفاظه وأسلوبه، وأنه قصد به حكمًا خاصًّا، فكل نص تشريعي له معنى يدل عليه، لكن قد يكون مقصودًا أصالة، أو تبعًا (١)، ولذلك أمثلة.

المثال الأول: قال اللَّه تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: ٢٧٥]، فهذه العبارة في الآية تدل دلالة ظاهرة على معنيين، أحدهما: التفرقة بين البيع والربا، وهذا مقصود من السياق أصالة؛ لأن الآية نزلت للرد على الذين قالوا: {إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا} [البقرة: ٢٧٥]، والثاني: أن حكم البيع الإباحة، وحكم الربا التحريم، وهذا المعنى مقصود من السياق تبعًا؛ لأن نفي المماثلة استتبع بيان حكم كل منهما، وأن اختلاف الحكمين يدل على عدم المماثلة، ولو أراد الشارع المعنى المقصود أصالة فقط لقال: وليس البيع مثل الربا (٢).

المثال الثاني: قال اللَّه تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} [النساء: ٣]، فهذه الآية دلت بعبارتها على ثلاثة أحكام، الأول: إباحة النكاح، وهو مقصود من سياق الآية تبعًا؛ لأن الآية نزلت في الأوصياء الذين يتحرجون من قبول الوصاية على اليتامى خوف الجور في أموالهم، وأكلها ظلمًا، مع أنهم لا يتحرجون من تعدد الزوجات بغير حصر، مع عدم العدل بينهم، فجاء الحكم الثاني: بتحديد عدد الزوجات على اثنتين أو ثلاث، أو أربع، وهذا مقصود من السياق أصالة، ثم الحكم الثالث: وجوب الاقتصار على واحدة عند خوف الجور عند التعدد، وهذا مقصود من السياق أصالة؛ لأن الآية سيقت لإفادة الحكم الثاني والثالث أصالة، واستتبع ذلك بيان إباحة النكاح، ولو اقتصرت


(١) علم أصول الفقه ١٤٤، تفسير النصوص (١/ ٤٦٩)، أصول الفقه الإسلامي، الزحيلي (١/ ٣٤٩)، أصول الأحكام ص ٢٥٣، أثر الاختلاف في القواعد الأصولية ص ١٢٨.
(٢) كشف الأسرار (١/ ٦٨)، علم أصول الفقه ص ١٤٤، تفسير النصوص (١/ ٤٧٥)، أصول الفقه الإسلامي، الزحيلي (١/ ٣٤٩)، أصول الأحكام ص ٢٥٣، أثر الاختلاف في القواعد الأصولية ص ١٢٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>