للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واستدلوا بما رواه مسلم أن خطيبًا أعرابيًّا قال بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ يُطعِ اللَّه ورسولَه فقد رَشَد، ومن يعْصِهما فقد غَوَى" فقال عليه الصلاة والسلام: "بئْسَ الخطيبُ أنت، قل: ومن يعصِ اللَّه ورسولَه فقد غوى" (١)، قالوا: فلو كانت الواو لمطلق الجمع لم يكن فرق بين العبارتين، وردّ الجمهور بأن إنكار الرسول - صلى الله عليه وسلم - إنما كان ليؤكد تعظيم اللَّه تعالى بالذكر، وأن معصية اللَّه والرسول متلازمان، ولا يتصور الترتيب فيهما، بدليل ورود عبارة: "ومن يعصهما" في أقوال الرسول - صلى الله عليه وسلم - نفسه (٢).

وأكد الإمام أبو حنيفة والإمام الشافعي رحمهما اللَّه تعالى ذلك من بعض الأحكام الفقهية التي لا تتفق مع كون الواو لمطلق الجمع فيمن قال لزوجته قبل الدخول: أنت طالق وطالق وطالق (٣).

٢ - نُقل عن الإمام مالك رحمه اللَّه تعالى أن الواو للمعية والمقارنة، ونسب ذلك إلى الصاحبين أبي يوسف ومحمد من الحنفية، وقال النحوي ابن مالك رحمه اللَّه تعالى: "وكونها للمعية راجح"، وقال الآمدي الأصولي رحمه اللَّه تعالى: "وإن كان الأرجح في النفس هو الأول" أي: مذهب الجمهور القائلين بأن الواو لمطلق الجمع (٤).


(١) هذا الحديث أخرجه مسلم (٦/ ١٥٨ رقم ٨٧٠) وأبو داود (١/ ٢٥٢) والنسائي (٦/ ٧٤) وأحمد (٤/ ٢٥٦) عن عدي بن حاتم رضي اللَّه عنه: أن رجلًا.
(٢) وذلك في حديث ابن مسعود رضي اللَّه عنه أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - إذا تشهد قال: "الحمد للَّه نستعينه ونستغفره .. ، من يطع اللَّه ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فإنه لا يضر إلا نفسه، ولا يضر اللَّه شيئًا" سنن أبي داود (١/ ٢٥٢).
(٣) أصول الفقه الإسلامي، الزحيلي (١/ ٣٨١).
(٤) تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد ص ١٧٤، الإحكام للآمدي (١/ ٦٤)، ونقل الزركشي رحمه اللَّه تعالى ثمانية أقوال في الواو (البحر المحيط ٢/ ٢٥٣ وما بعدها).
وقال ابن النجار الفتوحي رحمه اللَّه تعالى: "وهي تارة تعطف الشيء على مصاحبه، كقوله تعالى: {فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ (١٥)} [العنكبوت: ١٥]، وعلى سابقه، كقوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ} [الحديد: ٢٦]، وعلى لاحقه، كقوله تعالى: {كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ} [الشورى: ٣]، ... ويجوز =

<<  <  ج: ص:  >  >>