للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القرآن، فممتنع بالإجماع؛ لأنه معجزة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - إلى الأبد، قال بعض المفسرين في قوله تعالى: {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ} [فصلت: ٤٢]، أي: لا يأتيه ما يبطله" (١).

ولذلك وضع العلماء شروطًا للنسخ حتى لا يقع التغالي والتوسع في آي القرآن الكريم، وخاصة إذا أمكن الجمع والتوفيق بين الآيات، وإن كان بعض العلماء يطلقون النسخ على التخصيص أو التقييد، ولذلك كانت مواطن النسخ قليلة ومحدودة ومعدودة كما ذكرناها في أول البحث.

واتفق العلماء على جواز نسخ بعض القرآن ببعض (٢)، وهو نسخ القرآن بالقرآن، لتساويه في العلم القطعي ووجوب العمل، ولوقوعه فعلًا في القرآن، كما ذكرنا سابقًا.

فمن ذلك: نسخ آية الوصية للوالدين والأقربين بآيات المواريث، وهذا ما بينه رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - بعدما أنزلت آيات الميراث: "إن اللَّه أعطى كل ذي حقّ حقَّه، فلا وصية لوارث" (٣).

ومن ذلك: نسخ تحريم نكاح الزانية الوارد في قوله تعالى: {الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ} [النور: ٣]، وثبت نسخه بقوله تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ} [النور: ٣٢]، فيحل نكاح الأيم ولو كانت زانية.

ومن ذلك: نسخ الاعتداد بالحول في الوفاة بأربعة أشهر وعشر، كما سبق.

ومن ذلك: نسخ وجوب ثبوت الواحد في القتال للعشرة بضرورة ثبات المسلم أمام اثنين فقط، كما سبق.

ومن ذلك: نسخ تقديم الصدقة بين يدي الرسول - صلى الله عليه وسلم - لمناجاته بإلغائها


(١) شرح الكوكب المنير (٣/ ٥٥٣ - ٥٥٤).
(٢) سبق التنويه إلى النقل بالمنع عن أبي مسلم الأصفهاني، وأن ذلك اختلاف لفظي واصطلاحي، وأنه موافق على المبدأ.
(٣) هذا الحديث أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن اثني عشر صحابيًّا منهم أبو أمامة الباهلي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأرسله عن النبي - صلى الله عليه وسلم - خمسة من التابعين.

<<  <  ج: ص:  >  >>