٢ - يلزم من القول بمنع تجزؤ الاجتهاد أن يكون المجتهد عالمًا بجميع أحكام الشرع وأدلتها، وهذا غير صحيح، ولا مقبول، ويخالف الواقع، لأنه ليس في وسع البشر، ولم يشترط أحد في المجتهد والمفتي والفقيه أن يكون عالمًا بجميع أحكام المسائل وأدلتها، وإن الصحابة رضوان اللَّه عليهم توقفوا في كثير من الأحيان، والأئمة المجتهدون -اجتهادًا مطلقًا- لم يصلوا إلى هذه المرتبة دفعة واحدة، ولم يتوقف اجتهادهم حتى حازوا جميع العلوم، وعندما وصلوا إلى الاجتهاد المطلق توقفوا عن بعض المسائل، فقد سئل الإمام مالك عن أربعين مسألة، فأجاب عن أربع، وقال في ست وثلاثين منها: لا أدري، وكذلك توقف الشافعي، والإمام أحمد، وغيرهما.
٣ - إذا جمع العالم الذي توفرت فيه شروط الاجتهاد أدلة المسألة أو الباب، واطلع على أماراتها، كان هو وغيره سواء في تلك المسألة أو الباب، وكونه لا يعلم أمارات وأدلة باب آخر لا يؤثر على علمه السابق، ويجوز له الاجتهاد كما يجوز لغيره؛ لأنه قد عرف الحق بدليله.
أدلة القول الثاني:
استدل المانعون لتجزؤ الاجتهاد بأدلة، منها:
١ - إن أكثر علوم الاجتهاد يتعلق بعضها ببعض، والاجتهاد ملكة وأهلية معينة تتوقف على فهم روح الشريعة ومقاصدها ومبادئها العامة، كالبلاغة والشعر، فإن تحققت الأهلية استطاع صاحبها الاجتهاد في كل المسائل، ومن عجز عن بعضها عجز عن الاجتهاد في كلها.
٢ - إن المسائل التي يجتهد بها الشخص قد تكون متعلقة بما يجهله، وبالتالي فإن اجتهاده الجزئي يشوبه الخلل والنقص، فلا يحصل.
ويبدو ترجيح قول الجمهور، وأنه يجوز تجزؤ الاجتهاد، وهو يتفق مع الواقع، فالمجتهد المطاق الذي حاز درجة الاجتهاد الكامل لا يمكنه، ولا يتصور، أن يجتهد في كل المسائل دفعة واحدة، وأن يكون مطلعًا في وقت واحد على جميع المسائل والأحكام والأدلة، وأن المجتهد الجزئي يعلم بكل