فقال أبو بكر: الحمد لله يا فاسق، الذي لم يجعل قلبك بغض النبي صلى الله عليه وسلم وحبي. فأقام مسجوناً حتى ذهب محمد ابن أخيه الى المهدية. فأخبر بذلك البغدادي. وكان يحبه. فسعى له عند عبيد الله، حتى أمره أن يكتب الى ابن أبي المنهال بإخراجه من السجن، على أن لا يفتي ولا يجتمع إليه أحد. ولا يفتي إلا بمذهب السلطان. وكتب في رقعة داخل الكتاب، وقال: ما هذا الذي فعلت؟ عمدت الى عمدة بلده، فأحدثت فيه هذه الأحدوثة، وأثرت البلدة. وهذا مما كرهه أمير المؤمنين. فلا تعد الى مثل هذا. فلما وصل الكتاب أخرجه، وشرط عليه أن لا يخشن عليه الجواب. فلما رفع مجلسه، وقال هذا كتاب أمير المؤمنين، عهد فيه أن لا تفتي، ولا يجتمع إليك أحد، وإن مرضت فلا تعاد. فقال أبو بكر: هذه مسألة لم تنزل بعد. ثم خرج الى المهدية، فقصد البغدادي، فذكر وصوله لعبيد الله. فقال له: اكتب له كل ما يحب ولا تدخله عليّ. فكتب سجلاً أن لا ينظر في أمره ابن أبي المنهال. فأراد أن يأخذه. فقال له البغدادي: ليس مثلك، يحمل عناية أمره؟ تصل الى بلدك، ويصل مع البريد إليك ذلك. وبقي أبو بكر، لا يسمع إلا في خفية. فلزم داره، وأغلق بابه. وكان ربما خرج الى المسجد، فيأتي الطلبة الى بابه، فتفتح لهم خادمه، فإذا اجتمعوا أتته. فيدخل، وتغلق عليهم، فيقرأون.