أولى بك، والقاضي قد أخلص يقينًا لله، وفعل ما يجب عليه ويلزمه، ولو لم يفعل ما فعله لأحال الله بصيرتنا فيه، فأحسن الله جزاءه عنا وعن نفسه، ولست والله أعترض القاضي بعد فيما احتاط لنفسه؛
فذكر أن بعض إخوان ابن بشير عاتبه فيما أتاه من ذلك، فقال له: يا عاجز! ألا تعلم أنه لابد من الأعذار في الشهادات، فمن كان يجتريء على الدفع في شهادة الأمير، ولو قبلتها ولم أعذر لبخست المشهود عليه حقه؛
وحكى أنه كانت لمحمد بن بشير أيام نزل قرطبة، خادم سوداء اسمها بلاغ، تخدمه ويستمتع بها عند حاجته، فكان إذا غشيها وقضى وطره منها، دفع في صدرها بيده، وقال: يا بلاغ: إن فيك لبلاغا إلى حين.
قال ابن حارث: إن حظية للأمير الحكم بات عندها في بعض لياليه، فافتقدته في بعض الليل ولم تصبه، فهاجت غيرتها وقامت تقفو أثره، فأصابته قائما تحت شجرة في الحائط يصلى ويدعو ويجتهد، فلما انصرف إلى مرقده ألحت عليه في السبب الموجب لذلك، وظنت أن أمرًا طرقه، فقال: ما ذاك إلا أن محمد بن بشير القاضي مات (٤٠٦)، فأشفقت من فقده وأعجزنى الاعتياض منه، فقد كنت جعلته بينى وبين الله في أحكام الناس، فاستندت منه إلى ثقة، إذ كانت نفسى مستريحة إلى عدله، فناجيت الله تعالى ودعوته دعوة مضطر إلى إجابته في أن يحسن عزاءى عنه، ويجمل عوضى منه.
وكانت وفاة ابن بشير سنة ثمان وتسعين ومائة.
فاستقضى الحكم بعده ابنه سعيد بن محمد.
وقيل الفرج بن كنانة.
وسيأتي ذكرهما في طبقتهما لمن شاء الله تعالى.
(٤٠٦) ط: ما ذاك إلا أن محمد بن بشير القاضي مات، فأشفقت الخ أ، ك، م: ما ذا إلا أن محمد بن بشير القاضي لما به! فأشفقت … الخ.