قال: وكان ابن لبابة من أهل الوفاء والفضل والنزاهة، من الفقهاء المبرزين، والحفاظ المتقدمين، وكان يفتى بوجوب اليمين دون خلطة، ولا يرى جواز شهادة الشاهد مع أبيه، وخالفه غيره فى ذلك، وبجوازها أفتى أكثر الشيوخ.
قال أبو الأصبغ بن أبي عبيد: شاورنا أمير المؤمنين الناصر، في قاض يوليه، وذكر محمد بن لبابة والحبيب بن زياد، فقلت له: ابن زياد قاض بن قاض بن بيت قضاء، وقد عرف القضاء وتدرب فيه، ومحمد بن عمر بن لبابة فقيه مفت، ثقة، مأمون قد عرف الفتيا ومارساها، ولى اليوم كذا وكذا حكما بين المسلمين، فما أرسلت اليه رجلين يختصمان الا سارا اليه راضيين، وخرجا عنه راضيين، فأرى أن يولى ابن زياد القضاء، ويكون ابن لبابة صاحب الفتيا والشورى، فقبل ذلك فأتاني الرجلان بعد شاكرين، كل واحد على ما أشرت به فيه.
قال ابن الفرضى: كان حافظا لأخبار الأندلس، له حظ من النحو والخبر والشعر، ولى الصلاة بقرطبة. روى عنه خلق كثير.
قال: ولم يكن عنده علم بالحديث ولا ضبط لروايته، يحدث بالمعنى ولا يراعى اللفظ.
قال ابن عبد البر: كان ابن لبابة قليل الرواية، قليل الكتب، لكنه كان يحفظها، ويحفظ كل ما عنده ظهرا، ولا يمسكها عند السماع، يمسكها غيره، ويرد هو من حفظه، لكن على المعنى، وكان يحب الحجة والكلام فى الفقه، وعلى النظر واتباع الحديث في آخر أيامه والميل إلى طريق الشافعي.
* * *
[جمل من أخباره]
ذكر ابن لبابة أنه وافى يوما مجلس القاضى، مبطئا عن أصحابه الفقهاء، وقد استدعاهم القاضى، لأخذ فتاويهم في مسائل جمة، فقالوا بما عندهم، وأبو صالح أولهم، فلما أتى ابن لبابة سأل أبو صالح