وكان في رحلته وأول وروده الأندلس مقلاً من دنياه حتى احتاج في سفره الى القصد بشعره، واستأجر نفسه مدة مقامه ببغداد فيما سمعته مستفيضاً لحراسة درب، فكان يستعين بإجارته على نفقته، وبضوئه على مطالعته. ثم ورد الأندلس، وحاله ضيّقة فكان يتولى ضرب ورق الذهب للغزل والأنزال ويعقد الوثائق، فلقد حدثني ثقة من أصحابه - والخبر في ذلك مشهور - أنه كان حينئذ يخرج إلينا إذا جئنا للقراءة عليه وفي يديه أثر المطرقة وصدأ العمل، الى أن فشا علمه وعرف وشهرت تواليفه، فعرف حقه وجاءته الدنيا وعظم جاهه وقرّبه الرؤساء وقدّروه قدره، واستعملوه في الأمانات والقضاء وأجزلوا صلاته. فاتسعت حاله وتوفر كسبه حتى مات عن مال وافر خطير وكان يصحب الرؤساء ويرسل بينهم ويقبل جوائزهم، وهم على غاية ابرّ، فكثر القائل فيه من أجل هذا، وليَ قضاء مواضع من الأندلس تصغر عن قدره، كأريولة وشبهها، وكان يبعث إليها