ودفع القصة الى يزيد التركي، الموجه في الحال من قبل المتوكل. فألزم المال بني عبد الحكم، وشدد عليهم، وسجنهم. فعذب عبد الحكم بن عبد الله حتى مات في عذابه، لأربع بقين من جمادى الأولى سنة سبع وثلاثين. واستصفيت أموال بني الحكم وأصحابهم، ونهبت منازلهم، وملئت السجون من الناس، الى أن ورد كتاب المتوكل بإخراجهم من السجن، ورد أموالهم إليهم، وسجن الأصم القاضي، وقد كان ورد قبل هذا كتابه بسجنه، وسجن أصحابه، واستصفاء أموالهم، ولعنه على المنبر، فلعن. ولعنته الأمة على إثر ذلك. ثم أخرج من السجن، لينظر في أمر بني عبد الحكم، فوضع يده على بيت المال، فبذره. وذلك نحو مائة ألف وعشرين ألفاً. ودفعوا الى كل واحد منهم من الذين سجنوا معه العشرة الآلاف ونحوها، فأمر المتوكل بسجنه، وأمر بحلق رأسه ولحيته، وضربه بالسوط. وحمله على حمار بأكافٍ، وتطويفه بالفسطاط، ففعل ذلك كله به. وحكى ذلك أبو عمر الكندي، في كتاب الموالي، وفي كتاب القضاة. وذكر غيره، أن موت عبد الحكم إنما كان بسبب المحنة في القرآن، وأنه دخّن عليه بالكبريت حتى مات. وقال المالكي: سجنه الأصم وابن أبي الجواد فلم يرجع. فضرب في مسجد مصر أقل من ثلاثين سوطاً في خلافته.
[أخوه محمد بن عبد الله بن عبد الحكم]
أبو عبد الله، سمع من أبيه وابن وهب، وأشهب وابن القاسم، وشعيب ابن الليث وغيرهم، من أصحاب مالك والليث. وصحب الشافعي، وكتب كتبه، وأخذ عنه. كان أبوه ضمه إليه، وأمره أن يعول عليه، وعلى أشهب. وكان محمد أفضل الناس فهماً.