قال ابن القوطية: لما توفي المصعب بن عمران القاضي، استشار الأمير الحكم فيمن يستقضيه، فأجمع له وزراؤه وأعلام الناس، على محمد، بن بشير كاتب المصعب، وكان قد شهر عفافه واستقلاله بعهد المصعب، فولاه القضاء. فأثر على المصعب، وبعد في الفضل والعدل وصيته، وخلدت آثاره بعد. فلم يزل قاضياً إلى أن توفي فولي ابنه سعيد مكانه، قال ابن حارث: رأيت في بعض الكتب، أن ابن بشير لما وجه فيه، عدل في بعض طريقه إلى صديق له عابد، فنزل عليه، وتحدث معه في شأن نفسه، وتوقعه أنه وجه إليه في الكتابة التي قد تخلى عنها، فقال له صديقه: ما أرى بعث فيك إلا للقضاء. فقد مات قاضي قرطبة. فقال له ابن بشير: فإذا قبلتها فما ترى، فانصح لي وأشر علي. قال له العابد: أسألك عن ثلاثة أشياء فاصدقني فيها. كيف حبك لأكل الطيب، ولباس اللين، وركوب الغاره؟ فقال ابن بشير: والله ما أبالي ما رددت به جوعي، وسترت به عورتي، وحملت به رجلي، فقال هذه واحدة. فكيف حبك للوجوه الحسان وشبه هذا من الشهوات. فقال ابن بشير هذه حالة والله ما استشرقت نفسي إليها قط، ولا خطرت ببالي. قال: هذه ثانية. كيف حبك للمدح والثناء وكراهتك للعزل، وحب الولاية.