وأسمعه يعقوب بن المضار! كلاماً غليظاً فيما ينفذه من لحق عليهم، بحضرة ابن الأغلب، فقال له سحنون: أين أنت من هذا القول، إذ جيء بك، وفي عنق يعقوب حبل كالكلب، ثم خرج سحنون، فقال يعقوب، للأمير: شيخ من مشائخك وعم من أعمامك يفعل بي سحنون بين يديك مثل هذا؟ ولا يرى لمجلسك حرمة! فقال ألأمير لأصحاب الأعمدة: لو قتلتموه ما كنت أصنع بكم؟ فعافاه الله. ولما رأى سحنون حال الطبني، وفهم المراد، لزم داره مدة. وترك الجامع. وكان الطبني يحكم في الجامع، وحبيب أيضاً صاحب مظالم سحنون ينظر. إلى أن بلغه أن الطبني مد يده إلى بعض أصحابه. فخرج سحنون إلى الجامع، وسمع بذلك الناس، فأتوا إليه من كل جهة. فخرج الطبني من الجامع إلى داره. فكان ينظر في داره، وسحنون في الجامع على عادته، نحوا من أربعين يوماً، إلى أن توفي رحمه الله تعالى. وكتب زيادة الله ابن الأغلب إلى علماء أفريقية، يسأله عن مسألة، فأخبروه، إلا سحنون. فعوتب في ذلك. فقال: أكره أن أجيبه، فيكتب إلي ثانية، اشتغال لمعرفة ألأمراء. فقال له إبراهيم بن عبدوس، في مثلها: اخرج من بلد القوم، أمس لا تصلي خلف قاضيهم. واليوم لا تجيب في مسألتهم. فقال سحنون: أجيب رجلاً يتفكه بالدين، ولو علمت أنه يقصد الحق، أجبته. وذلك قبل قضائه.
[ذكر محنته]
قال غير واحد من العلماء بالأثر: كان سحنون قد حضر جنازة. فتقدم ابن أبي الجواد، الذي كان قاضياً قبله. وكان يذهب إلى رأي الكوفيين،