للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان فى دولته الأولى لا يمكن أحدا من الحكام من الدخول في شيء من أحكامه، ولا يقضى عليه (٦٤٨)، وفى دولته الثانية لان قليلا، وكانت السن أخذت منه، ولم يعدم يقظته.

قال ابن عبد البر: وقد سمعت شيوخنا من أهل العلم يقولون: ان من ولى عندنا القضاء مرتين انه فى الأولى أفضل من الثانية، الا ما كان من محمد بن سلمة، أحد قضاة قرطبة قبل هذا.

ومن نوادر قضائه فى الصلابة الشادة، أن رجلا أعجميا ممن استنزل من الحصون المخالفة، كانت بيده حرة مسلمة، استجارت بالقاضي، فأجارها، وبدأ بالنظر فى أمرها، فاذا برسول الحاجب بدر، ومحله من الخليفة ألطف محل، يقول له: هؤلاء العجم استنزلناهم بالعهد، وأنت أعلم بما يجب من الوفاء لهم، فدع بينه وبين أمته.

فقال للرسول: أخبره، الأيمان كلها لازمتى، لا أنظر بين اثنين حتى أنفذ على الأعجمى ما يجب عليه من الحق.

فرجع الرسول الى بدر ثم جاءه يقول له: يقرئك السلام، ويقول لك: أنى لا أعترضك فى الحق، ولا أستحل سؤاله منك، ولكن تفتى بما يجب، وأنت أعلم بالواجب.

وجاءه رجل من النصارى يستقيل لنفسه (٦٤٩)، فوبخه أسلم على ذلك، وعنفه، فبلغ من سخفه أن قال له: يا قاض! وتتوهم انك ان قتلتني أنى أنا المقتول؟

فقال له أسلم: فمن؟

قال: شبهى يلقى على جسد من الأجساد فتقتله، وأرفع أنا تلك الساعة الى السماء.

فقال له أسلم: الذي تدعيه غائب عنا، والذي نخبرك به من تكذيبك غائب عنك، وثم وجه يظهر صدقه * لنا ولك.

فقال له النصراني: وما هو؟


(٦٤٨) أ م: ولا يقضى عليه - ط: ولا يقضى عليه بحد.
(٦٤٩) أ ط: يستقيل لنفسه - م يستقيل لنفسه.