وأمر بضربه، فجعل يقلق (٦٥٠) تحت السياط ويصيح، فقال له أسلم: فى ظهر من تقع هذه السياط؟
فقال: في ظهرى.
فقال له أسلم: وكذلك السيف والله، يقع فى عنقك، فلا تتوهم غير ذلك.
قال محمد بن عبد البر: كنت بين يدى أسلم، اذ أتاه فتى من عند الناصر، بعزله عن القضاء، فوجم وأطرق، ثم قال: الحمد لله الذي عافانا منها، فطالما سألته ذلك.
قال: فأكدت بصيرته، وذكرته كثرة تمنيه العافية منها.
وخاصم فقيه عند أسلم رجلا في خادم اعترفها، وجاء بشاهد أتى به من اشبيلية، فقال: يا قاض! هذا شاهدى، فاسمع منه، فصعد أسلم فى الشاهد نظره وصوب، وقال: أصلحك الله: محتسب أو مكتسب؟
فقال له الشاهد: أحسن الظن يا قاض، فليس هذا اليك، هذا الي الله ﷿، المطلع على ما فى القلوب، الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، ولم تقعد هذا المقعد لتسأل عن هذا وشبهه، وانما عليك أن تسمع الظاهر، وتكل الباطن الى الله تعالى، عالم السر والعلانية، ان شئت فاسمع الشهادة منى كما يلزمني أداؤها، ثم اقبلها ان شئت أو أضرب بها الحائط - زاد من طريق آخر على غير هذا السياق - ليس لك أن تكشف الستر المسدول بينك وبين الناس، فان هذا التغيير للشهود يوقف أولى الأنفة عن الشهادة عندك، والتعرض لاهانتك، وفى ذلك من ضياع الحقوق ما لا يخفى.
فأخجل أسلم كلامه وقال له: لك ما قلت، فأد شهادتك يرحمك الله.
قال: فأين الخادم، تحضر، حتى أشهد على عينها.
(٦٥٠) أ: يقلق تحت السياط - م: يغلق تحت السياط - ط: غير واضحة.