ولاه قضاء الجماعة، الناصر لدين الله، اول ولايته، وسط سنة ثلاثمائة، وكان معروفا بمذاهبه الحسنة ومروءته الكاملة. وأوصافه المحمودة، بعد الحبيب.
وولى الصلاة محمد بن لبابة. الى أن استعفى سنة تسع وثلاثمائة فأعفاه، وولى الحبيب ثانية الى أن مات الحبيب، سنة ثنتى عشرة وثلاثمائة، فأعاد أسلم عليها.
قال ابن حارث: ولم يزل محمود السيرة، مشكور الفعال، في دولته الأولى، الى أن مل واستعفى، وذكر بالسالفين من عيون القضاة في ايثار الحق وامضائه، وكان صارما لا هوادة عنده مع مبطل، وكان في قضائه الآخر دون ما كان عليه أولا، اذ أعادوه وقد أدركه الوهن، وأخذت منه السن، الا أنه كان نافذ الفطنة، يقرأ عليه ما يحمله من علمه، فلا يشذ عليه من الصواب شيء، ولا يذهب عليه من دقيق المعانى ما يذهب على مثله، الى أن كف بصره، وعجز عن الحكومة، فوالى الاستعفاء والصرف عن نفسه، فعزل سنة أربع عشرة.
وقد كان الناصر يستخلفه في سطح القصر اذا خرج لمغازية.
قال ابن عبد البر: كان أسلم قاضيا مهيبا، صليب القناة، حسن السيرة، مشبها من مضى من خيار القضاة فى صدر الأمة، لا يقضى عن شبهة.
وذكر الشيوخ أنه لم يل القضاء بعد محمد بن سلمة، أشد تثبتا منه وتصحيحا في حكمه، ولا أبعد من الظنة، من أسلم.
وكان قعوده للقضاء فى أسطوان داره، وكان شديد الاغلاظ على المتهمين فى الشهادة، لا يدع مواجهة من اتهمه بذلك، لا يستحيى فيه أحدا، شديد المباينة فى الحق، قليل المداراة فيه، وربما أخرج ذلك بلفظ نادر يعجب بظاهره، وربما صرح بذلك وأبان عند الحاجة.
ذكر أن فقيها شهد عنده شهادة استرابها فقال له أسلم: في نفسي من هذه القضية حزة.