قال أحد أولاده: خرجنا عند الغروب من صفاقس، مع الشيخ، فأظلم علينا الليل، فلقينا السلاّبة. وقد شهروا حديدهم. فلما قربوا من الشيخ، قال: لا إله إلا الله، ينبغي للخلق أن يستحيوا من الله. ففرّت السلابة. ثم تمادينا نمشي في الظلمة. فإذا مشعلة نار
مرة عن يميننا، ومرة عن يسارنا. حتى حاذينا منزل مروان العابد. فقال الشيخ: أنا أرجع الى عند مروان. وتمادوا أنتم. ثم حوّل وجهه الى الشعلة. فقال: يا فاسق، يا لعين، قد عرفناك، واتقيناك، إخساً فعليك لعنة الله. وطفيت الشعلة. قال بعض أصحابه العباد: نبتني نبت في أصل العجز وأقعدني، ولم أقدر أن أصلي معه، لا قائماً ولا جالساً، إلا مضطجعاً. فحملت حتى وصلت إليه، فأخبرته وقلت: قيل لي تكتوي بالنار. فخفت من النار. فبكى وقال: أي والله ينبغي لك أن تخاف من النار. ثم قال لي: اجعل يدك على المكان، ففعلت وجعل يدعو، ثم قال لي: قم فقد شفاك الله. فوالله لقد ركبت الدابة، فما مسكها أحد كأني ما مسني شيء قط. قال عمر بن مثنى: كل من أدركت بهذا الساحل من عالم أو عابد، يستتر ويتروى بدينه، خوفاً من بني عبيد، إلا أبا إسحاق، فإنه واثق بالله، فلم يسلمه، ومسك الله به قلوب المؤمنين، وأعزّ به الدين، وهيّبه في أعين المارقين. وحضر أبو إسحاق جنازة بنت بعض أصحابه، فصلى عليها وانصرف كل من