ثم خلفهم في كل قرن باتباع صدق وعدل، واخلاف هدى وفضل، وأكناف معرفة وعلم، ومعادن خير وحلم، اختار منهم أئمة المسلمين، ونصب منهم أعلاماً للدنيا والدين، فبينوا للناس ما نزل إليهم، وشرحوا لهم ما أشكل عليهم، وانقادوا لما ثبت من السنن لديهم، واعتبروا باستنباطهم، وصحيح اجتهادهم، حكم ما لم ينص على عينه، وقاسوا - بما فهموا من الشرع - حكمه في غيره، ولم يزيغوا عن سنن التحقيق، ولا أخذوا بنيات الطريق، ولا حكموا الآراء المضلة في الدين، ولا انهملوا انهمال الملحدين، وتنطعوا تنطع المعتدين، بل تبعوا آثار من مضى قبلهم، واقتفوا في التمسك بأصول الشريعة سبلهم، ولم يضرهم خلال من خالفهم من الفرق، ولا شغب من لج في هواه ومرق، فالموفق من اقتفى آثارهم، وغاير شرود من شرد وأتباعهم، وعلم أن الحق مع هذا النمط الذي هدى الله واقتدى بهداه، ولم يعرج على ناعق نعق وان اختدع العقول بلهجة صداه، جعلنا الله ممن اتبع فعلم، واقتفى ما مر عليه السواد الأعظم.
وبعد فلما تكررت رغبات الأصحاب، شملنا الله وإياهم بسعادته، لإمضاء