ولقد أتى رجل طاريّ مجلسه لحاجة عنّت له، فسأل عنه بعض من جلس إلى قربه، فأرشده إليه، فلما رآه في زيه ذلك، وآثار الزينة في أطرافه من الخضاب والكحل والسواك، بمحياه، رابه أمره، واتهم من أرشده، وقال يا هؤلاء: رجل غريب سألكم عن قاضيكم فسخرتم بي، أسألكم عن قاض فتدلوني عن زامر. فأسكتوه. فقالوا: ما كذبناك. وزجر من كب ناحية. فقال له ابن بشير: تقدم واذكر حاجتك. ففعل الرجل. فوجد عنده فوق ظنه. قال زونان: عاينت محمد بن بشير في إرساله اللمة ولبسه الخز والمعصفر، فقال إني على بينة من ربي، حدّثني مالك، أن محمد بن المنكدر كان سيد القراء، وكانت له لمة. وأن هشام بن عروة كان فقيه هذا البلد، يعني المدينة. وكان يلبس المعصفر، وأن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، كان يلبس الخز. فماذا تعيب من هؤلاء. ألا إنهم إسوة. وكان محمد بن عيسى الأعشى يعرض بالقاضي محمد لزيه هذا، ويسميه في جميع ذكره بعشر الدلاّل - اسم مخنث كان بالمدينة - حتى بلغ ذلك ابن بشير. فجمعه والأعشى مجلس أمكنه فيه القول، فانعطف ابن بشير وقال: يا أبا عبد الله. إن الشر لا يعجز عنه أحد، وإن الخير لا يناله إلا أهل الصبر الجميل، ومن يقدم على نفسه بالرياضة المحمودة، فاقصر عما بلغني عنك، فإنه أجمل بك، واستحياه، واقتصر فيما بعد.