للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ولايته القضاء وسيرته]

قال ابن القوطية: لما توفى المصعب بن عمران القاضي، استشار الأمير الحكم فيمن يستقضيه، فأجمع له وزراؤه وفقهاؤه وأعلام الناس على محمد بن بشير كاتب المصعب، وكان قد شهر عفافه واستقلاله بعهد المصعب، فولاه القضاء، فأربى على المصعب، وبعد في الفضل والعدل صيته، وخلدت آثاره بعده، فلم يزل قاضيا إلى أن توفى، فولى ابنه سعيد مكانه.

قال ابن حارث: رأيت في بعض الكتب أن ابن بشير لما وجه فيه، عدل في بعض طريقه إلى صديق له عابد، فنزل عليه وتحدث معه في شأن نفسه، وتوقعه أنه وجه إليه في الكتابة التي قد تخلى عنها؛

فقال له صديقه: ما أرى بعثه فيك إلا للقضاء، فقد مات قاضي قرطبة.

فقال له ابن بشير: فإذ قلتها فما ترى؟ فانصح لي وأشر على؛

قال له العابد: أسألك عن ثلاثة أشياء، فاصدقني فيها؛

كيف حبك لأكل الطيب، ولباس اللين، وركوب الفاره؟

فقال ابن بشير: والله ما أبالى ما رددت به جوعي، وسترت به عورتي، وحملت به رجلي؛

فقال له: هذه واحدة، فكيف حبك للوجوه الحسان، وشبه هذا من الشهوات؟

فقال ابن بشير: هذه حالة والله ما استشرفت نفسى إليها قط، ولا خطرت ببالى.

قال: هذه ثانية، فكيف حبك المدح والثناء وكراهتك للعزل وحبك الولاية؟