فقال: إن كان ما ظهر منه يشهد لباطنه فما كان في عُبّاد بني إسرائيل مثله. وإن كان رياء أو تصنعاً، فما رأينا ولا بلغنا عن أحد ملك شهوته ونفسه منه. لاسيما مع الإمكان والرياسة. وهو في الحالتين نسيج وحده. قال: ولم يأخذ ابن مسكين في مدته على القضاء أجراً. وكان لا يستعين بأحد في شيء، من أموره. وربما استُقي له الماء، فيريقه، ويستقي لنفسه. وإنما كان بل لنفسه. ودخل عليه رجل يوماً، فوجد له عجيناً في مقلى، كاد أن يحترق، وابن مسكين في الصلاة. فقلبه له الرجل. فلما أتم الصلاة أمر بصدقته، ولم يأكله. ودخل عليه رجل يستسقي، فحلف له أن لا يستقي إلا هو. فتركه حتى استقى. ثم أخذه فأراقه في الماجل. ثم استقى هو بنفسه. وإنما كان يعيش بدقيق، كان يأتيه من منزله، يخبزه بنفسه، وبقل وشيء يأتيه من البادية. فإن لم يأته شيء، انتظره. فربما بقي اليومين والثلاثة بلا طعام. وكان شديد التقشف في قضائه. ولم يكن على هذه السبيل من الانقباض، قبل قضائه. ولما عزل، عاد الى ما كان عليه، من حسن المعاشرة. وكرم المجالسة. والمؤاخاة. وسئل عن فرط انقباضه، فقال: ابتليت بجبار عنيد. خفت أن يبعث إليّ من طعامه أو يدعوني إليه. فلا آمنه إن امتنعت. فحملت نفسي على ذلك. لينقطع طمعه فيّ. وفرغ ما عنده من القوت برقادة. فبقي ثلاثة أيام، لا يطعم شيئاً. حتى لزم الفراش ضعفاً. حتى أتاه الرسول، آخر اليوم الثالث. قال: ولقد أقام برقادة تسع سنين، ما أكل تيناً - إلا مرة - اشتري له بخروبة. ولا بطيخاً - إلا مرة واحدة - صغيرة.