قال ابنه أبو الطاهر: إنه ما رآه مفطراً قطّ. قال، وقال لي أبي: إن إنساناً أقام في آية سنة، لم يتجاوزها، وهي قوله تعالى:" وقفوهُم إنهم مسؤولون ". فقلت له: أنت هو؟ فسكت. فعلمت أنه هو. وكان إذا دخل في الصلاة، لو سقط البيت الذي هو فيه، ما التفت. إقبالاً على صلاته. واشتغالاً بمناجاة ربه. ولقد جمع أولاده يوماً، لزيارة أمهم، وجاءوا بلحم، فطبخته لهم في ركن البيت، وتعشّوا، والشيخ في الركن الآخر يصلي، فبعد مدة قال لأمهم: ما لكم لم تعملوا عشاءً - لشدة إقباله على صلاته. وحكى بعضهم: إنه جاء يوماً فسلم عليه، وقبّل في عنقه. قال: فردّ يده، وصفع نفسه. فبكيت بكاء عظيماً. فقال لي: ما يبكيك؟ قلت لأن هذا كان بسببي. فقال: عنقي بالصفع أولى منه بالقبلة. وقيل له: لمَ اخترت جبنيانة على غيرها؟ قال: أردت أن يجعل الله ذكري فيها. لأني رأيتها من أقل القرى ذكراً. قال أبو القاسم: ولقد رأيته يوماً وعظ، فبكى وأبكى، حتى اتصل البكاء بخارج الدار. فصارت كأنها مناحة. فلما رأى ذلك، خاف الفتنة على نفسه، فنظر الى نعمل ملقاة، بحذائه، فقال لمن حوله: سألتك بالله خذوا هذا النعل، واصفعوا بها هذا الشيخ السوء، الذي يأمركم بالمعروف، وينهاكم عن المنكر، ولا ينتهي عنه.