قال: وكان أبو خارجة يصلي من الليل في مسجد استضافه أهله، فبينا هو يصلي نظر في ركن المسجد - وأراه بعد غلقه - إلى شيخ قائم يصلي، فلما سلم أبو خارجة استل سيفه فهزه وقصده، وهو يقول: أعلى تجسر؟
فالتمع منه (٣٩٤) وذهب.
وكان يقول: لا تذهب الليالي والأيام حتى تمحى كتب أبي حنيفة، فكان كذلك أيام سحنون.
ومن حكمه قوله: ثلاثة من أعلام الإحسان، كظم الغيظ، وحفظ الغيب، وستر العيب، وثلاثة من أعلام المعرفة، الإقبال على الله، والانقطاع إلى الله، والافتخار بالله، وثلاثة من أعلام الفكرة، سرعة الإدكار، وإدمان الاعتبار، وكثرة الاستغفار.
وكان يقول عند إفطاره: الحمد لله الذي هداني فصمت، والحمد لله الذي رزقني فأفطرت، إن تعذبني فأنا أهل لذلك، وإن تغفر لي فأنت أهل لذلك.
وكان يقول ثلاث من أعطيهن فقد اغتبط؛ علمًا نافعًا، ورزقًا طيبًا، وعملا متقبلا.
وذكروا أنه أصاب الناس سبع سنين قحط، فأتوا أبا خارجة يستسقي لهم، فقال لهم: تأتون غدًا بنسائكم وصبيانكم وبهائمكم، وتبيتون الصيام الليلة، فإذا كان غدًا قفوا بين يديه، وتضرعوا إليه، فإنه يرق لحالكم، ففعلوا ذلك، وخرج أبو خارجة فصلى بهم وخطب، ودعا، ثم جلس إلى صلاة الظهر، وقد اشتد الحر، وبكى الأطفال، وصاحت البهائم من الحر، فصلى
(٣٩٤) أ، ك، ط: (فالتمع منه) - م: (فالتسع منه) ويقال: التمع لونه بمعنى ذهب وتغير.