حكى الشيخ أبو الحسن القابسي: إن بعض سكان القصر، الذي كان يسكن فيه الكانشي قام فسمعه يقرأ في سبحان. فلما كان آخر الليل وجده قد ختم، ثم أخذ في النّياحة والبكاء. ثم قال:
أتراك بعد الدرس للقرآن تحرقني ... يا ليتني أدرجت قبل الذنب في الكفن
ثم عاد الى النياحة، والبكاء حتى طلع الفجر. ثم أقبل يقول وعزّتك وجلالك، ما عصيتك استخفافاً بحقك، ولا جحوداً لربوبيتك. لكني حضرني جهلي، وغاب عني علمي، واستفزّني عدوي، وإني عليها يا إلهي لنادم. قال القابسي: ما رأيت أخير من أبي الحسن. وكان أكثر ما يقطع ليلته بتلاوة القرآن والنياحة والبكاء. ولقد غلب عليه الحزن حتى صار ضحكه كالبكاء. وكان قد ورث من أبيه مالاً وضيعة، وتبرأ من جميع ذلك، وتصدّق به. فقيل له في ذلك. فقال: حضرت معه وأنا صبي، ومعه شيوخ المنزل، فكتبوا أسماءهم في شقافٍ لضيافة الأعوان. وأخذ أبي شقفة. وقال للأعوان: هذا اسم فلان وضيافتكم اليوم عليه. فلم تطب نفسي، أن آكل من ميراثه حبة. وكان يقول إذا تكلم على مسألة من العلم: لو أدركني عيسى بن مسكين ما رضي مني بالسجن، حتى يقيّدني. وسأله رجل عن مسألة من الفقه، فقال: امضِ بها الى الفقهاء. فاسألهم،