فقال: أرسل إلي أخي بحمام البرية. فأمرت بطبخه، فرأيته سميناً. فقلت اللهم سق إلي ولياً من أوليائك، من يأكل معي. فلما رأيتك، حمدت الله إذ كنت أنت هو. وذكر أنه خرج مرة الى المنستير، فنزل القصر الكبير، فلما كان العشي سمع صر المهارس، فقال: ما هذا؟ قال: المرابطون يدقون التابل لمزورهم. فاسترجع، وقال: ما هكذا أعرف المنستير، حالة أنا أعرفها، عند أهلها شيء من دقيق شعير وزيت. فإذا جاء وقت الإفطار، لثوا الدقيق وأكلوا لبّه، عليّ أن لا أبيت في شيء منه. فخرج منه، فغابت له الشمس بقصر لمطه. ولم يعد إليه بعد ذلك. قال المالكي: وكان يقال له اجتمع مع الخضر، صلى الله عليه وسلم. وذكر اللبيدي أن فقيراً نزل بعبد الرحيم، فلم يجد عنده شيئاً إلا قرصاً، أعدها لإفطاره. فقدمها إليه، وبقي بلا شيء. فقال له: أصلحك الله ما يكون منك وأنت لا تقبل من أحد شيئاً. فقال: اللهم إن الله لا يتركني بلا شيء. فلما كان بعد ساعة سمع كلاماً فدخل عليه. فلم يوجد عنده أحد، وبين يدين قرص سخن، وثمر. فقال عبد الرحيم للرجل: كل، فسأله بالله من أين. فقال أتاني
به الخضر، وقال لي هذا الثمر أتيتك به من اجراينة. قال: وكان عبد الرحيم يأخذ الفتات في يده ويبسطها. فينزل الغراب فيأكله. وأتى رجل الى سحنون يسأله عن مسألة ومعه عبد الرحيم. فسبقه عبد الرحيم بالجواب. فسكت سحنون. فلما ذهب السائل، وقام عبد الرحيم، قال: تجد الرجل يصبر الى الصيام والصلاة، ويتورع فإذا جاءت الفتيا، لم يصبر. قال المؤلف رضي الله عنه: وسكوت سحنون عن جوابه، دليل على صوابه وأنه كان ممن يفتي مع سحنون، وبحضرته. وقال له رجل: أوصني بكلمات، ينفعني الله بها، ويأجرك عليها. فقال أوصيك يا بني أن تتقي الله. وتجتنب محارم الله. وتؤدي فرائض الله. وتحسن الى عباد الله. وإن زدت زادك الله. ويذكر أنه ما تزوج قط. ولا تسرى. وكانت له جاريتان، تقومان به، وتخدمانه. فقيل له ألا تتسرى بإحداهما؟ فإنهما يصلحان لذلك. فحلف أنه لا يعرف صفة وجوههما، لشغله بعبادة ربه عز وجل. وكان يقول: زيادة الاخوان، نقص من العمل. قال بعضهم: يريد أنه يقطع عما يكون فيه الإنسان من عمل، وهو الذي بنى قصر زياد وأنفق فيه اثني عشر ألف دينار، ستة آلاف من عنده، وستة آلاف من عند إخوانه. وكان قد استشار سحنوناً في الخروج الى غزو صقلية ذكر أنه كان له سبعة عشر ألف أصل من الزيتون. وكان لسحنون اثني عشر ألف أصل. وكان لعبد الرحيم ضيعة. قد استشار سحنون في بيع ضيعتيه، والتصدق بهما. فنهاه. وتوفي سنة ست ويقال سبع وأربعين ومائتين. ورثاه بعضهم بقصيدة أولها: الخضر، وقال لي هذا الثمر أتيتك به من اجراينة. قال: وكان عبد الرحيم يأخذ الفتات في يده ويبسطها. فينزل الغراب فيأكله.