وكان صاحبي في كل مجلس علم، وسماع، ومناظرة. ثم حجّ سنة أربع وعشرين. وانحرف عن كل ما كان عليه من التكلم في الرأي، وذهب الى العلم الباطن، والنسك والعبادة، وتلاوة القرآن، وتفهمه على طريق أهل الإرادة. وصار داعية إليه. فنفع الله به خلقاً كثيراً. وكانت له حلقة بجامع القيروان، أيام أبي يزيد، يجتمع إليه الأهل هذه الطبقة.
[ذكر أخباره وفضائله وزهده وتعظيم الكبار له رحمه الله تعالى]
قال عبد بن محمد القروي: كان ربيع لسان أهل إفريقية في الزهد، والرقة، والكلام على الأحوال والمقامات. لا يفوقه في ذلك أحد في وقته، انتفع في ذلك بصحبة أبي الحسن علي بن سهيل الدينوري. وأبي علي بن الكاتب، وأبي علي الروذباري وغيرهم. وحكى الأجدابي، أنه خرج الى الحج مرتين: الأولى سمع فيها الحديث. والثانية خرج متنكراً في زي طنجي، حتى لا يؤبه به. ويخلص له عمله. فاجتمع في تلك السفر بجماعة من المتعبدين. وكان أبو علي بن الكاتب يقول: ما رأيت رجلاً جعل رحلته الأولى في أول درجة من هذا العلم. وجعل رحلته الثانية في أعلى درجة إلا ربيعاً القطان. كأنما جاءه الأمر دفعة واحدة، صلة من الله تعالى. وفي كتاب زهرون الطرابلسي إليه: أنتم العلماء بأمر، والطرق إليه والإدلاء عليه. أسأل الله أن يجعلني حسنة من بعض حسناته. وكان أبو مالك الدبّاغ، له حلقة، يجتمع إليه أيضاً فيها أصحابه، في علم الباطن. فكان إذا اختلفوا قام أبو مالك الى حلقة ربيع. فيبحثوا بين يديه، فيسأله عما يريد. وكان قد نحل جسمه، ورق عظمه، من صيام النهار، وقيام الليل. قال بعضهم: كان بعض أهل العلم ينال من ربيع، ويأخذ عليه في مجلس وعظه. وكان لا ينقد عليه. فرأيت رجلاً ليس للدنيا عنده ذكر.