وفى هذا الحبر قال: كان سحنون يقول في طريقه: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ﴾ (٩٠) الآية.
وحكى أنه لما دخل سحنون على ابن الأغلب، قال له سحنون: قد كنت خائفا حتى دخلت عليك فأمنت، فأمنه.
وكان ابنه محمد قد توارى معه، فلما أتى باب القصر، نفر الشرط إلى انتهابه، فأخذ لجام دابته، فلما دخل على الأمير قال له: تكلم.
فقال: إنما يتكلم من معه عقله، وأما أنا فقد ذهب.
فسأله، فأعلمه بما جرى عليه، فأمنه، وأمر بصرف لجامه.
قال ابن وضاح: دخلت مصر فلقيت الحارث بن مسكين، فسألني عن سحنون، فقلت له: إنه مغموم من قبل الأمير.
فقال الحارث: قال الأوزاعي، قال رسول الله ﷺ: إذا أحب الله عبدا سلط عليه من يؤذيه.
[ذكر بقايا فضائل سحنون وتقاه وخوفه وزهده وتحريه في الفتيا وعبادته وفقر من كلامه ووصاياه وأخباره]
قال محمد بن أحمد بن تميم: كان الذين يحضرون مجلس سحنون من العباد، أكثر ممن يحضره من طلبة العلم، كانوا يأتونه من أقطار الأرض.
قال بعض أصحابه: عرست، فدعوت ليلة عرسي جماعة من أصحابنا، وفيهم رجل من أهل المشرق من أصحاب ابن حنبل، قدم علينا وكنا نسمع منه، فكان أصحابنا في أول الليل في قراءة وبكاء وتعبد وخشوع، ثم أخذوا بعد ذلك في مسائل العلم، ثم ابتدروا بعد ذلك إلى زوايا بالدار يصلون أحزابهم، فقال الشيخ: أصحاب من هؤلاء؟ ومن معلمهم؟ فوالله ما رأيت قط أنبل منهم. وما صحبوا رجلا إلا نبلوه.