مما كان أبو عمر يتشوق إليه، فرغب أبو عمر الى أصحابه أن يعفوه من مباشرة ما اشتغلوا به من التأليف، ويتركوه والمطالعة، فاستوسع في ذلك وطالت مدة عملهم في ذلك، لكثرة هذه الكتب، ووفور خزانتها حولاً كاملاً وفوقه، فحصل للشيخ من ذلك ما أمله، وكان عظيم التذكر، حسن الحفظ، بطيء النسيان، وكان يتكلم عنده يوم الإثنين في الموطأ، وما شاكله، ويوم الثلاثاء في المدونة والمستخرجة وما جانسهما، فكان النبلاء من أصحابه كابن الشفاء، وابن دحون وأمثالهما من الأكياس والحفاظ، يتظاهرون عليه، لينشروا حفظه، فإذا جرت المسألة وأمعن القول فيها الى أبي عمر وترجيحه، بدر كلٌّ من أولئك الحفاظ الى ما يغرب من قولة شاذة، فينصت أبو عمر الى كل ما يقوله كل منهم، حتى يستوفي كلامهم. ثم يرد على كل واحد فيما أغرب به، ويفصل له أمكنته ونسبته الى قائله. ويذكر الاختيار من ذلك من قول الأصحاب كأنما ينظر في صحيفة، ثم يجرد إثر ذلك هو اختياره فيريهم العجب، من كل فعله.