مولاه أعتقه وزّوجه ابنته، وأوصى إليه بماله، وقضى بشهادتهما، فلم يلبث أحد الشاهدين أن حضرته الوفاة، فأوصى إلى القاضي أنه يريده. فدخل عليه، فلما أبصر به الشاهد، وهو في كربة، جثا على ركبتيه، وجعل ينجز إليه، فقال له القاضي: ما شأنك؟ فقال إني في النار إن لم تنقذني منها. الشهادة التي شهدت بها عندك بفلان لم يكن منها شيء فاتق الله وافسخ الحكم. فلم يزد محمد بن بشير على أن وضع يديه على ركبتيه، ثم قام وجعل يقول قضي الحكم، وأنت في النار. وخرج عنه. قال الفقيه القاضي أبو الفضل عياض رضي الله تعالى عنه: ما فعله ابن بشير من إمضاء الحكم صواب، وقوله وأنت في النار دون استثناء. لعله قصد به الإغلاظ لأمثاله من شهداء السوء. وإلا فحتمية الله في العفو عنه. من وراء هذا بفضلة، بقبول توبة مثله، ومحو سيئته بها، موعود به.
ذكر زيّه
وكان ابن بشير، قبل استقضائه يفرّق شعره إلى شحمة أذنيه، ويلتحف رداءاً معصفراً على الرسم الأقدم، وكان حسن الزي جميل الخلق، فتمادى على زيه في قضائه. قال ابن وضاح: أخبرني من كان يرى محمد بن بشير القاضي داخلاً على باب المسجد الجامع يوم الجمعة، وعليه رداء معصفر، في رجليه حذاء صرَّار. وعليه جمة مفروقة. ثم يقوم يخطب ويصلي في زيه وكذا كان يجلس للقضاء بين الناس، وأن العيون لتغضي عنه مهابة، فإن رام واحد نيل شيء من دينه، وجده أبعد منالاً من الثريا.