فأوصى إليه فخرج وهو ينظر في كتاب فلم يشعر بصديقه حتى عثر فيه لاشتغال باله بالكتاب، فتنبّه حينئذ له، وسلم عليه، واعتذر إليه من احتباسه بشغله بمسألة عويصة لم يمكنه تركها حتى فتحها الله عليه، فقال له الرجل: في أيام عيد ووقت راحة مسنونة؟ فقال: إذا علمت بهذه النفس انصبت الى هذه المعرفة، والله ما لي راحة ولا لذة في غير النظر والقراءة. قال ابن عفيف: إليه انتهت رئاسة العلم بالأندلس حتى صار بمثابة يحيى بن يحيى في زمانه، واعتلى على جميع الفقهاء، ونفذت الأحكام برأيه، فحكم على الحاكم، وبعد صيته بالأندلس، وحاز رئاسة أحاديثها مشهورة، وكان رحمه الله من ذوي المتانة في دينه والصلابة في رأيه والبعد عن هوى نفسه، لا يداهن السلطان، ولا يدع صدعه بالحق، كان البعيد والقريب عنده في الحق سواء.