ثم جلس ابن المبارك مختفياً حتى رجع الناس من الحج، فجاءه قوم من أهل بلده يسلمون عليه ويهنئونه بالحج، فأقبل يقول لهم: إنه كانت بي علة ولم أحج هذه السنة. فقال بعضهم: يا سبحان الله، ألم أوادعك نفقتي، ونحن بمنى ونحن نذهب إلى عرفات. وآخر يقول: ألم تشتر لي كذا. فأقبل يقول: لا أدري ما تقولون. أما أنا فلم أحج في هذا العام. فرأى الليل في منامنه آت، فقال: يا أبا عبد الله، أبشر فإن الله قد قيل صدقتك وبعث ملكاً على صورتك فحج عنك.
[ذكر قطع من حكمه وشعره وملحه]
قال رحمه الله تعالى:
تعاهد لسانك إن اللسان ... سريع إلى المرء في قتله
وهذا اللسان يريد الفؤاد ... يدل الرجال على عقله
وقال رحمه الله تعالى:
أرى لي أناساً بأدنى الدين قد قنعوا ... ولا أراهم رضوا في العيش بالدون
فاستغن بالله عن دنيا الملوك كما ... استغنى الملوك بدنياهم عن الدين
وقال أيضاً رحمه الله تعالى:
لولا الجماعة ما كانت لنا سبل ... وكان أضعفنا نهباً لأقوانا