وكان ابن عمران القاضي يقول: ما يحل لي أن أولى القضاء بتونس أحدا، حتى أعرض ذلك على ابن غافق، فإن أبى فحينئذ أولى.
وكل من كان وليها فعن رأيه يصدر، وبقوله يأخذ.
قال الشيرازي: وعليه كان اعتماد أهل بلده في الفتوى.
وزعم أنه تفقه بعلي بن زياد، وهذا وهم كثير لأن ابن غافق ولد بعد موت على بأزيد من عشرين سنة.
توفى على سنة ثلاث وثمانين ومائة، وولد ابن غافق سنة أربع ومائتين.
سمع منه محمد بن عمر.
قال ابن حارث: كان من الحفاظ المعدودين من وجوه هذه الطبقة، فقيها، عاقلا، نبيلا، من أهل المروءة.
وكان سحنون، إذا أراد أن يحرض ابنه يقول: ادرس، لا يجيئك كبير الرأس، يعنيه، وكان في رأسه كبر.
وسمعت بعض الشيوخ يحكى أن ابن غافق كان حليما كريما، كثير، الصفح، كثير الأخذ بالفضل، وكان له عدو من أهل بلده، فقدم عدوه إلى القيروان، فبدأ بثلبه ونقصه في مجالس أهل العلم، وبلغ ذلك ابن غافق، فبدأ بارسال التحف والهدايا إلى من تخلفه ذلك العدو في داره بتونس، من أهله وولده، فأغرقهم بها، وكتبوا إليه إلى القيروان يعلمونه أن ابن غافق قد أغرقنا بالنعم، فاستحيى ذلك الرجل الذي كان يثلبه، وقلب لسانه بحمده وشكره، وجعل يعتذر إلى كل من حفظ عنه فيه مقالا سيئا.
ولما حج ابن غافق، أهدى إليه رجل هدية في سفره، فكافأه عليها في حينه، ثم أهدى إليه ثانية فكافأه، وجعل الآخر يكثر من مهاداته، وابن غافق من مكافأته، فلما أكثر عليه لقيه فقال له ابن غافق: إن كان يسرك أن أرجع إلى بلدى وعلى دين، فتماد في فعلك.