ودخل الشام، فاستخلفه القاضي ابن المنتاب، على القضاء هناك. وسمع بمكة من ابن المنذر كثيراً. وببغداد من ابن صاعد، وابراهيم بن حماد، ومحمد بن الجهم، وابن مسلف، وأبي الفرج القاضي، وأبي يعقوب الرازي، وعمر بن محمد بن شريح، وغيرهم. وشهد بها مجلس المناظرة. وأقام ببغداد ثلاثة أعوام. وكانت إقامته في رحلته بضعة عشر عاماً. وأدخل الأندلس علماً كثيراً. وكان حافظاً متفنناً نظاراً متصرفاً في علم الرأي، حسن النظر فيه، مشاوراً في الأحكام، قال ابن حارث: كان قد ظهر فقهه في حداثة سنه، قبل رحلته. وشاوره إذ ذاك القاضي أسلم، ولما انصرف من المشرق، وقد مال هناك الى النظر، والحجة، رفعه الحكم، وهو ولي عهد الشورى. وألف في نصرة مذهب مالك تواليف كثيرة. منها كتاب الذريعة الى علم الشريعة. وكتاب الدلائل والبراهين على مذهب المدنيين. وكتاب الدلائل والأعلام، على أصول الأحكام. وكتاب الاعتماد، وكتاب الإبانة عن أصول الديانة، وكتاب الردّ على من أنكر على مالك العمل بما رواه. وتفسير رسالة عمر بن عبد العزيز في الزكاة، وكتاب اختصار الأقوال، لأبي عبيد. ومرض بالفالج، وتوفي يوم السبت، لثمان بقين من المحرم، سنة ثلاثين وثلاثماية. وهو ابن أربع وأربعين سنة ونصف. وفيها مات ابن أيمن، وابن لبابة، الأصغر. رحمهما الله تعالى، ورضي عن جميعهم.