قال أبو الأحوص: غاب إما الجامع يوماً عن صلاة العصر، فعزم علي، فتقدمت. فلقد صحّ عندي أني ما سلمت من الصلاة حتى بدأ قوم يفتشون عن عيوبي. وما سمعت من يذكر ذلك قبل، كأنه يقول: إن الخمول من أسباب الستر. قال ابن اللباد: ذكر أبو العدل، قال: كنت بمدينة سوسة مرابطاً. فبلغني أن سعيداً الضرير قدم، فتوجهت إليه مع أبي الأحوص، أسلّم عليه. فوجدناه عنده ناساً. وذلك بعد العصر. فدعا وقرأ. ثم افترقنا بعد المغرب. وكان وقت قحط ومصيف، وحاجة الناس الى الماء. وقد فرغت مواجلهم. فوقف أبو الأحوص في بعض الطريق، فوقفنا لوقوفه. فقال: اللهم إن كنت استجبت لنا في مجلسنا هذا، فعرفنا بركة ذلك، بأن تسقينا الغيث. فما دخلنا المسجد إلا ونحن نخوض الماء من المطر. قال أبو الأحوص: أتيت للسماع من سحنون، فبقيت عنده مدة، لا يسأل عني، فلما أردت الرجوع الى بلدي، أتيته لأسلم عليه. وذكرت له أني أريد الرجوع. فسلّم عليّ وقال: يا بني لا تنسنا من دعائك. فقلت في نفسي: يسألني الدعاء - أزري على نفسي - وكنت أظنه لا يعرفني. وقال عبد الوهاب الزاهد: قمت على برج، على شاطئ البحر، فإذا أبو الأحوص رحمه الله تعالى، بين شرافتين في سواد الليل يقول:
أبوا أن يرقدوا ليلاً ... فهم لله قُوّامُ
أبوا أن يفطروا دهراً ... فهم لله صُوّام
أبوا أن يخدموا الدنيا ... فهم لله خدّام
لا إله إلا الله والله أكبر. ولله الحمد. ثم اندفع في السباحة حتى سمع حسي. فقال لي: من أنت؟