فنفضني نفضة، وقال: إن الله تعالى ما كذب ولا يكذب، بل لابد من القصاص يوم القيامة. فانتبهت لنفضته، وأنا أعرف الزيات. فغدوت الى المسجد الجامع، وجلست بين الأبواب حتى دخل الرجل، فأشرت إليه، فأتى. فلما انقضت الصلاة قلت له: يا فلان ما لك على أبي الأحوص؟ فقد أوصاني إليك بشيء نسيته. فقال: درهمان. فدفعتهما إليه. وأخبرته بالرؤيا. وكان أبو الأحوص، متقللاً من الدنيا، زاهداً فيها. وكان سبب سكناه بسوسة، أنه أقام بها مرابطاً، مدة. حتى فرغت نفقته. فأراد الرجوع الى بلده. فبينما هو يركع بجامعها، إذا بعصفور جاء بشيء الى فراخه، فسقط من فيه ما جاء به، فخرج فأر من خلف الحصير، فأكل ما أسقط. فقال في نفسه: فأر خلف الحصير، قيّض الله له خلف رزقه، فلم يضيعه. فكيف أضيع أنا. لله عليّ ألا أضيّع مدينة الرباط. وكان ابن الأغلب يزوره. فإن وجده يطحن جلس على التراب. وإن وجده يأكل جلس على جلد المطحنة. لأنه لم يكن عنده حصير في البيت، ولا غيرها. وكان إذا عرضت للمسلمين حاجة. كتب إليه بالفحمة على شقفة. وسأله الأمير مرة: هل لك حاجة؟ فامتنع. فعزم عليه.
فقال ثلاث حوائج. قال: هي مقضية. قال فما هي: فطلب منه الزيادة في الجامع لضيقه عن الناس، وإجراء سقاية من خارج المدينة الى مواجلها. وإخراج من سجن. فأجابه.