مدينة السلام بأسرها. إذ علم أنه لا أحد بعد أبيه يجاريه، ولا إنسان يساويه، فتبيّن الناس من أمره، ما بهر عقولهم، ومضى في الحكم على سبيل معروفة له، ولسلفه. فلم يزل يخلف أباه في القضاء، الى أن توفي أبوه. قال الصولي: لما جلس القاضي أبو نصر، خلفاً لأبيه عند خروجه الى الموصل، لحرب ابن حمدان، حضر محمد بن بدر الشزابي، صاحب الشرطة، ونثر عليه دراهم ودنانير. وذلك سنة سبع وعشرين وثلاثمائة. وعمره إذ ذاك خمس وعشرون سنة. قال ابن سنان، والصولي قلّد الراضي أبا نصر، يوسف. وأبا محمد الحسين. فكان إليهما لسبع من وفاته. فجعل لأبي نصر، قضاء القضاة ببغداد، الى المدائن. ولأبي محمد ما بين المدائن، الى البصرة. وخلع عليهما. فمرّ في الشارع الأعظم، فكان مما كلم به أبو نصر أمير المؤمنين الراضي، حين ولاه: قد استوفى سيدنا الأنعام وكمّله وشدّ بآخره أوله. فثبت الله وطأته. وأدام دولته. وقيل إن السلطان صادرهما بعد موت أبيهما، على عشرين ألف دينار، باعا فيها فيما حكاه ابن كامل من كسوة أبيهما خاصة، بأربعة آلاف دينار، وخمسمائة دينار. ثم قلد أبو محمد مدينة المنصور، مما كان بيد أخيه أبي نصر، سنة تسع وعشرين. وفي هذه السنة عزلا جميعاً عن القضاء ببغداد. وكان السبب فيه ما جرى بين أبي نصر، وبين أبي عبد الله بن أبي موسى الهاشمي. وكان أبو موسى هذا أولاً ممن سعى للقاضي أبي نصر، في الولاية. ثم اتهمه أبو نصر بالسعي عليه، لأخيه. فوقعت بينهما وحشة. فأخذ أبو نصر شهادة العدول، بأن ابن أبي موسى ليس أهلاً للشهادة، فأسقطه. وأشهد ابن أبي موسى ثلاثين عدلاً، أنه لا يشهد عند أبي نصر أبداً. وتجرّد في السعي عليه. وأنفق من ماله ألوفاً كثيرة، حتى صرفه. وولي أبو محمد مكانه. فخلع عليه لعشر خلون من محرم، سنة تسع وعشرين.