وكان في رحلته الأولى لم يسمع من ابن سنجر، فرجع في الثانية بسببه قال: فلما دخلت مصر، سمعت مناديا ينادى:
من يحسن القراءة فليأت دار عبد الله بن سنجر، يقرأ لابن الأمير مسندًا.
فأعلمت المنادى بمكانى من القراءة، ورأيت ذلك فرصة، فكنت أكتب الليل كله، وأقرأ بالنهار، حتى كمل نسخه وسماعه، فما مرت بعد ذلك أيام حتى مات ابن سنجر.
[ذكر ورعه وزهده وعبادته وتواضعه]
قال الشيرازى: رأيت على عيسى جبة صوف قديمة، مرقعة بخرقة من كتان، وكان وهو قاض يركب الحمار بالشند، ويعلق الكوز من الشند.
ومرض كاتبه أبو على بن البناء الفقيه، وكان يسكن معه فى دار واحدة، فطال مرضه أربعة أشهر، فلم يزره عيسى، ولا وقف على بابه، ولا سأله عن حاله.
فبلغ ذلك من ابن البناء، وعتب عليه فيه.
وفووض عيسى بن مسكين فى ذلك، وتوجه إليه فيه أبو سعيد بن محمد بن سحنون وغيره، وقالوا له: ابن البناء قد لحق بالمشايخ، وجعل لك لسانا وكاتبًا، وهو معك فى دار واحدة (٣٨٧)، وهو مريض أربعة أشهر، فما وقفت إليه يومًا واحدًا، ولا سألته عن حاله.
فقال لهم: الله المستعان.
(٣٨٧) سقط من نسخة (أ) من قوله: "فطال مرضه أربعة أشهر" إلى قوله ها "وهو معك في دار واحدة".