يقبله على غير ذلك - فأبى. وقال: أنا في غنى عنه. عندي قفيز زيت، وخمسة أثمان شعيراً. فقيل له: وما يغني عنك هذا القدر، وأنت في خمسة من العيال، وفتنة وغلاء؟ فقال: الاشتغال بهذا من الفضول. قال ابنه أبو الطاهر: وكنا إذا بقينا بلا شيء نقتاته، كنت أسمعه في الليل يقول:
ما لي تلاد ولا استطرقت من نسب ... وما أؤمّل غير الله من أحد
إن القنوع بحمد الله يمنعني ... من التعرض للمنانة النكد
إني لأكرم وجهي أن أعرضه ... عند السؤال لغير الواحد الصمد
فذكر ذلك لأبي الحسن القابسي، فقال: مثل الجبنياني يقول هذا، ويصدق فيه.
[ذكر ورعه وخوفه وعبادته واستقصاره بنفسه]
ذكر أنه أول أمره استأجر نفسه عنده رجل، بجهة سوسة، يرعى له بقرة. فأتاه يوماً بفأس فقال: اقطع خشبة من هذه الشجرة. فقال له أبو إسحاق: ليست لك، إنما هي لأخيك. فقال له: صرت لي ضداً؟ إنما عليك أن تسمع ما آمرك به، فتعمله. فقال له: بلى، على أن أتقي الله. فانصرف عنه، فلحقه بأجرته. فقال له: من أين تدفعها لي أنت؟ لم تزع عن قطع شجرة أخيك في غيبته، فمن أين تدفع لي؟ فذهب ولم يأخذ منه شيئاً. وقال أبو بكر السيوطي: صحبته قديماً فكنا ربما استأجرنا أنفسنا في جمع الزيتون، فإذا دفعت إلينا أجرتنا يحط منها، ويقول: نخشى أنا لم نوفِ، فكيف نستوفي؟