فقال يحيى بن عمر: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأسند حديثاً عنه صلى الله عليه وسلم: أنه قال: لا يلغ الكلب في دم المسلم. قال بعضهم: سمعت ابن طالب عند محنته، وسجنه يقول، وهو مسجون، في سجوده، ومناجاته: اللهم إنك تعلم أني ما حكمت بجور، ولا آثرتُ عليك أحداً من خلقك، في حكم من أحكامي، ولا خفت فيك لومة لائم.
[ذكر جوده وكرم أخلاقه]
لم يكن في زمانه سلطان ولا غيره أسمح منه. يتداين بالمال الكثير، ويتصدق به، ويصل بالعشرات من الدنانير من يعرف ولا يعرف. وربما أعوز فيتصدق بلجام دابته، ومصحفه، ونعله، وشوار عياله. وربما تصدق بثياب ظهره. حدث بعض أصحابه، أنه ركب معه إثر سماء وهو على حمار مصري، فعرض له في طريقه ماء مستنقع، فأتى صبي يرعى غنماً، فأخذ بلجام حماره، فجوزه الماء. فقال للغلام: من مولاك؟ قال: فلان. فنزل ابن طالب في مسجد، ثم قال للغلام: اذهب فجئني بمولاك. فجاءه.
فقال له: بكم اشتريت هذا الغلام؟ فقال: بعشرة دنانير. قال: فخذها واعتقه، وولاؤه لك. وعدها له، وكتب عتق الغلام، ثم قال لمولاه: قد وجب أن تجري له على رعايته لغنمك أجرة. فأجرى له دينارين في كل سنة. فقال ابن طالب: إلزم مولاك، ولا تقطعنا. فإنا نواسيك.