فقال له: وما أصنع لك؟ ما حيلتى؟ مسألتك نازلة معضلة، وفيها أقاويل، وأنا أتخير في ذلك.
فقال الصطفورى: وأنت - أصلحك الله - لكل معضلة.
فقال: هيهات! ليس يا ابن أخى بقولك أبذل لك لحمى ودمى إلى النار، ما أكثر ما لا أعرف، ان صبرت رجوت أن تنقلب بمسألتك، وإن أردت غيري فامض، تجب من ساعتك.
فقال: إنما جئت إليك، ولا أبتغى غيرك.
قال: فاصبر عافاك الله.
ثم أجابه بعد ذلك.
وأرسل أسد بن الفرات وهو قاض إلى سحنون، وعون، وابن رشيد، وموسى الصمادحي، فسألهم عن مسألة من الأحكام، فأجاب فيها ابن رشيد وعون، وأبى فيها سحنون من الجواب. فلما خرجوا عذلاه في تركه، فقال لهما: منعنى أنكما بدرتما بالجواب، فأخطأتما، وكرهت أن أخالفكما، فندخل عليه إخوانا ونخرج أعداء، وبين لهما وجه خطأهما، فجزياه خيرا واعترفا، ورجعا إلى أسد فأخبراه برجوعهما.
قال القاضي: لعل سحنون عول على ما عرف من فضلهما، من أنهما إذا بين لهما وجه خطأهما رجعا فأعلما أسدا برجوعهما، كما فعلا، وأن الحكم كان بعد لم يحن وقت نفوذه، وإلا فهو في فضله وورعه كان لا يسكت على مثل هذا الإرجاء أن يستبين الحق بلا نقلة ولا مخالفة.
قال سحنون: أجرأ الناس على الفتيا أقلهم علما، يكون عند الرجل باب واحد من العلم فيظن أن الحق كله فيه.
قال سحنون: إني لأسأل عن المسألة فأعرف في أي كتاب وورقة وصفح وسطر، فما يمنعني من الجواب فيها إلا كراهة الجرأة بعدى على الفتيا.