للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال سحنون: وأنا أحفظ مسائل، منها ما فيه ثمانية أقاويل من ثمانى أئمة، فكيف يسعنى أن أعجل بالجواب حتى أتخير، وهو الأمر في حبس الجواب، أو كما قال.

قال عبد الجبار بن خالد: قال رجل من الطلبة لسحنون: جئت اليوم ولم أسمع منك شيئا.

فقال له: إن كنت في وقت خروجك ممن شيعته الملائكة، فقد سمعت وإن لم تسمع، وإن كنت ممن لم تشيعه، فلم تسمع وإن كنت سمعت.

قال عيسى: قلت لسحنون: تأتيك المسائل مشهورة مفهومة فتأبى الجواب فيها!

فقال سحنون: سرعة الجواب بالصواب أشد فتنة من فتنة المال.

قال يحيى بن عمر: لما قدمت إلى سحنون سألت عنه، فقيل لي: خرج إلى البادية، فجئته فرأيت رجلا أشعر (٩١)، عليه جبة صوف، ومنديل، وهو متول حرثه وشأنه، فاستصغرته، وندمت على ترك من تركت بالمشرق، ومجيئى إليه، وقلت: ما أراه يحفظ شيئا من العلم.

فرحب بي، فلما جالسته في العلم، رأيت بحرا لا تكدره الدلاء، والله العظيم ما رأيت مثله قط * كأنما جمع العلم بين عينيه وفى صدره.

وقال سحنون: ما أقبح بالعالم أن يؤتى إلى مجلسه فلا يوجد فيه، فيسأل عنه، فيقال: هو عند الأمير، هو عند الوزير، هو عند القاضي، فإن هذا وشبهه شر من علماء بنى إسرائيل، وبلغني أنهم يحدثونهم من الرخص بما يحبون، مما ليس عليه العمل، ويتركون ما عليه العمل وفيه النجاة لهم، كراهية أن يستثقلوهم، ولعمرى لو فعلوا ذلك لنجوا، ووجب أجرهم على الله، فوالله لقد ابتليت بهذا القضاء وبهم، فوالله ما أكلت لهم لقمة، ولا شربت لهم شربة، ولا لبست لهم ثوبا، ولا ركبت لهم دابة،


(٩١) ك: أشعر - أ، ط: أشقر - م: أسمر - ويقال: شعر بكسر العين، يشعر، شعرا، كثر شعره وطال، وقد تقدم في صفة سحنون أنه كان ربع القامة، بين البياض والسمرة، حسن اللحية، كثير الشعر … الخ.