ووثب فجلس على كرسي بباب مجلسه، يتوقد غيظاً عليه. فلم يلبث أن أدخل طالوت عليه، فجعل يتقرعه بذنوبه، ويقول: طالوت الحمد الله الذي أظفرني بك، ويحك أخبرني لو أن أباك أو أبنك قعد مقعدي بهذا القصر، أكانا يزيدانك من البر وألإكرام على ما فعلته أنا بك؟ هل رددت قط حاجة لك أن لغيرك؟ ألم أشاركك في حلوك ومرِّك؟ ألم أعدك مرات في محلاتك؟ ألم أشاركك في حزنك على زوجتك؟ ومشيت في جنازتها راجلاً إلى مقبرة الربض؟ وانصرفت مقك كذلك إلى منزلك؟ وغير شيء من التوقير فعلته بك؟ ما حملك على ما قابلت به إجمالي؟ ولم ترض مني إلا بخلع سلطاني، وسعي لسفك دمي، واستباحة حرمتي؟ فقال له طالوت: ما أجد لي في هذا الوقت مقالاً أنجى من صدقك به. أبغضتك لله وحده. فلم ينفعك عندي كل ما صنعته، عوض دنياك. فسري عن الأمير وسكن غيظه، وملىء عليه رقة. فقال: والله لقد أحضرتك، وما في الدنيا عذاب إلا وقد عرضته اختار بعضه لك، وقد حيل بيني وبينك، فأنا أعلمك أن الذي أبغضني له، صرفني عنك، فانصرف في أمان الله تعالى، وانصرف حيث شئت، وارفع إليّ حاجتك، فلم تعدم فيّ براً. فيا ليت الذي كان لم يكن. فقال له طالوت صدقت فلو لم يكن كان خيراً لك، ولا مرد لأمر الله. فلم يزل طالوت لديه بعد مبروراً، إلى أن توفي عن قريب، فأنبىء له الحكم وحضر جنازته وأثنى عليه به بصدقه.