قال ابن حيان: وكان صارماً في حكمه، محمود الطريقة، عاقلاً عاملاً بمذاهب المالكية. ذا عفاف ونزاهة وبراءة من الريبة، وبعد همة، وفرط هيبة وزكانة. فلقد كان في هذا الباب في مرتبة الخليفة، لم يقدر أحد ينقصه منها قلامة ظفر، مع اختلاف الدول، وحلول الفتن، الى أن فارق الحياة، وهو أعلى الناس محلاً. وذكر أبو الخيار الشنتريني الداودي، أبا العباس - وكان ما بينهما شيئاً - فقال: أبو العباس وما أبو العباس نظر في الفقه على مذهب مالك فأدرك طرفاً منه، إلا أنه لم يستجد في الحفظ، واكتسب بالدربة الحذق في الحكومة. وكان مع ذلك صليباً فهماً بعيداً من المداراة، حاد بالناس إجلاله عن مذاكرته، فلاذوا من مناظرته، بالتسليم والموافقة. وتحاموا السؤال منه وكان أكبر ما فيه عقله ورأيه.
[ولايته القضاء وخبره فيها مع العامرية وسيرته]
قد قدمنا أن الذي ولاه القضاء، المنصور ابن أبي عامر. وكان من جملة أصحابه وخواصه، ومحله منه فوق محل الوزراء يفاوضه في تدبير الملك وسائر شؤونه. لم يتخلف عنه في غزوة