وقال ابن المبارك مررت بحائك وقد انقطع شسع نعلى، فلقيني بقبال (٦٣)؛
فقلت: للثواب فعلتها؟
قال: نعم؛
فكنت إذا جزت به ملت إليه فسلمت عليه، ثم افتقدته فأصبته مد أغلق حانوته، فسألت عنه بعض حيرانه، وقلت إن كان مريضًا عدناه، أو مشغولا أعناه، أو فقيرًا واسيناه.
فقالوا: لا علم لنا به؛
فاستأذنت على منزله، فخرج إلى، فسألته: ما شغلك عن حانوتك؟
فقال لي: أنت يا ابن المبارك، يراك الناس تميل إلى، فألبستني قميصًا ليس على منه شيء،
فأخذت بكمه فسرت به إلى المقابر، فقلت: هذا قبر فلان، كان من شأنه كذا وهذا قبر فلان كان من شأنه كذا؛
فقال لي: يا ابن المبارك، ما أعرف ما تقول: ليس الرجل كل الرجل، من وصفته الألسن، ولا الرجل كل الرجل من رمقته الأعين، إنما الرجل من ستر الله عليه في حياته، فأدخله قبره مستورًا، ثم أبرزه يوم القيامة ليس عليه ذلة معصية، فذلك الرجل.
***
(٦٣) الشسع، بكسر الشين: زمام للنعل ما بين الأصبع الوسطى والتي تليها - والقبال، بكسر القاف: زمام النعل، يقال رجل منقطع القبال، أي سيء الرأى.