قال أبو عبد الله الخراط: كان رجلاً صالحاً، ثقة عالماً بالسّنن، والرجال، من أبصر أهل وقته بها، كثير الكتب، حسن التقييد، كريم النفس والخُلق. كتب بخطه كثيراً في الحديث والفق. يقال إنه كتب بيده ثلاثة آلاف كتاب وخمسمائة. وشيوخه تنيف على عشرين ومائة شيخ. سمع منه أبو محمد بن أبي زيد، والحسين بن سعيد، وابناه، والشذوذي، والناس. قال ابن أبي دليم: وكان حافظاً للمذهب، معتنياً به. وغلب عليه الحديث والرجال، وتصنيف الكتب والرواية، والاسماع. وألّف طبقات علماء إفريقية، وكتاب عباد إفريقية، ومسند حديث مالك، وكتاب التاريخ، سبعة عشر جزءاً، وكتاب مناقب بني تميم، وجزأين في موت العلماء، وكتاب المحن، وكتاب فضائل مالك، وكتاب فضائل سحنون، وكتاب الوضوء والطهارة، وكتاب الجنائز، وذكر الموت، وعذاب القبر، وكتاب عوالي حديثه، وكتاب في الصلة، وغير ذلك. ودارت عليه محنة من الشيعي. حبسه وقيّده مع ابنه، مرة بسبب بني الأغلب، والتهمة في السلطان.
وهو أحد من خرج لحرب بني عبيد، وحاصر المهدية. وسمع عليه هناك كتاب الإمامة، محمد بن سحنون. وكان يقول: سماع هذين الكتابين هنا، علي أفضل من كل ما كتبت. وكان سبب طلبه للعلم، أنه أتى يوماً الى دار محمد بن يحيى بن سلام، فأعجبه من الطلبة. فاختلف إليه أياماً، وهو من أبناء السلاطين. قال: فقال رجل: لا تتزيا بهذا الزيّ، فليس بزي طلبة العلم. فرجعت فذكرت ذلك لأمي، فأبت علي وقالت إنما تكون مثل آبائك السلاطين.