فيعطى الأموال الجسيمة، مقدماً عند الملوك، وجيهاً عند العامة، نهاضاً بالأثقال، واسع الحيلة، جيد النظر عند الملمات. وهو كان السبب المقيم لسليمان بن عمران، وعبد الله بن طالب، وذلك أنه عني بسليمان حتى استكتبه أبوه. ثم ولاه قضاء باجة. فلما مات سحنون، وولى سليمان بن عمران قضاء القيروان مكانه، فأساء صحبة محمد بن سحنون، وفسدت الحال بينهما، الى أن وجّه به سليمان، فأتاه محمد في خلق ممن تبعه، فأغلظ له سليمان في القول، فحفظ من كلامه: ما أحوجك الى من يُمضِغْك قطن قلنسوتك هذه. ولم يجسر عليه بمكروه. وكان سليمان يلقبه ويؤذيه بالقول. وجاء رجل الى ابن سحنون وقال له: يا أبا عبد الله، الرسول يبلّغ ولا يلام: ابن العيّاد، يقرأ عليك السلام، ويقول لك: أنبَتّ أقواماً لو أن السماء أمطرت عليهم أربعين خريفاً ما أنبتوا. يعرض بسليمان بن عمران. فقال ابن سحنون: هذا جزاء من فعل شيئاً لغير الله. ولم تزل الحال تتزايد في فساد ما بينهما، الى أن توارى ابن سحنون خوفاً على نفسه. فكتب في تواريه الى الأمير محمد بن الأغلب، بما كتب به عثمان الى علي رضي الله عنهما:
فإن كنت مأكولاً فكن أنت آكلي ... وإلا تداركني ولمّا أمزّق
فقال ابن الأغلب: ومن يمزقه، مزق الله جلده. ثم رفع يد سليمان عنه، وأمنه منه. وقيل إن ابن سحنون لما طال ترقيه، لما ينفعه من الأمير، ركب متنكراً إليه. ولقيه مؤدب أولاد الأمير