فجعلت أنظر إليه، فقال لي: يا أبا عبد الله، إن أزهد الناس في العالِم، قرابته وجيرانه. وقال مرة أخرى في مثلها: ما قرب الخير من قوم قط، إلا زهدوا فيه. وذكر الأجدابي: أن أبا بكر، جلس يوماً عند اسماعيل المؤدب جاره، ليتفرج ويرى الناس. فكان الناس إذا جازوا من ذلك الموضع رجعوا من طريق آخر هيبة له. فقال: ما بالهم؟ فقالوا: من أجلك وهيبتك. فقال: إنما جلسنا في هذا الموضع لنتفرج. لا لأن نضرّ بالناس في طريقهم. ثم قام. وكان يحضر مجلس السبت بالقيروان، ويقول لمن أنكر عليه ذلك. قال: ولا يطأون موطئاً يغيظ الكفّار. قال: وحضور السبت مما يغيظ بني عبيد. ورفع الى المهدية لعبد الله ليتولى قضاء صقلية، فاعتذر، وقال: صرت في حد، لو كنت على القضاء لوجب أن لا أولّى. فكيف أبتدئ وقد كبرت سني، ودخلتني زمانة. ثم عرض لهم قضاً من كفه اليمنى، قد سمُح. وكان أبو بكر يقول: أكبر شيء من محقه، وكلام لين.
[ومن أخباره]
رحمه الله تعالى. قال أبو بكر: أدركت بالقيروان أقواماً، كانوا أغنياء فافتقروا. وما ذاك إلا أنهم اتجروا في الحنطة في إبان الشدائد.