وحضر جنازة مع حماس وسعيد بن الحداد، فقال له سعيد: تقدم يا أبا يوسف، فأنت أزهد منا وأسن منا وأعلم منا.
قال ابن سعيد: كان جبلة من أفضل رجال سحنون، وقد علاهم في الزهد، وكان أول شأنه لما نشأ وتعلم كتاب الله، حببت إليه دار سحنون فكان يختلف إليه، وكان أبوه يصحب السلطان ويرى رأى أهل العراق، فأراد جبلة يوما الرواح إلى سحنون، فأخذ أبوه طاشيره ورفعه، لئلا يجد ما يمضى به، فأخذ جبلة مقنعة أمه، وتردى بها، ومضى إلى سحنون، فسأله، فأخبره جبلة، فأعطاه سحنون مدرجا.
فلما خرج به لحقه رجل، فعوضه منه بثوب قطع منه ثوبا وطاشيرا.
فمضى بها إلى سحنون، فسأله عن المدرج، فأخبره، فقال: غبنك.
قال ابن حارث: وكان أبوه من أهل الأموال وصحبة السلطان، فنابذه في حياته، وتبرأ من تركته بعد مماته، وكانت تركته نحو ثمانمائة مثقال.
وقيل: بل قال: ما علمت منه إلا خيرا، إلا أنه كان يقتضى من ثمن الطعام طعاما، وهذا جائز عنده على مذهبه، وعندنا غير جائز.
وشهد على أبيه في حياته، أنه قتل رجلا عمدا، عند بعض القضاة، فعرض أبوه بالطعن عليه، فقال له القاضي: والله لئن شهد عليك معه اثنان لأسفكن دمك.
قال أبو العرب: خرج علينا يوما، فقوم بعض أصحابه لباسه، وذلك قميص وغلالة وسراويل ومنديل أكاف، وكل ذلك خلق، بدرهم غير ربع.
قال أبو سعيد بن محمد بن سحنون: كانت مع جبلة همة يتيه بها على الخلفاء.
قال موسى القطان: من أراد أن يدخل دار عمر بن الخطاب فليدخل دار جبلة، ولو أن جبلة في زمان بنى إسرائيل أتت إلينا أخباره في الكتب، ولو فاخرنا بنو إسرائيل بعبادهم وزهادهم، لفاخرناهم به.