للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فغضب وقال: أقول لك شيئا وتفعل غيره؟ من الذى دلك على ذلك؟ ومن أمرك به؟ وانما قلت لك: اطلب علم الكلام، واعمل بمسألة الرؤية، ولم أقل لك نح الكلام.

فلما انتبهت أخذنى أكثر من الأول، وقلت: والله ما أدرى ما أفعل؟ كيف أدع المذاهب المقررة بالمنامات؟ فالويل لى ان اعتقدت خلاف ما أقلده من الله تعالى، والويل لى من تشنيع المعتزلة ان قلت بما يدعونى المنام اليه.

وبقيت على ذلك متفكرا ما أتهنأ بمطعم ولا مشرب، حتى كان ليلة سبع وعشرين.

قال: فاجتمع أهل البصرة على عادتهم فى الوقوف والتهجد فى الجامع الى الصباح. والبكاء، والتضرع، والدعاء، فخرجت لذلك، فلما دخلت فى الصلاة وقع على نوم كالموت الذى لا يدفع بحيلة محتال، فقمت باكيا راجعا متحسرا على ما فاتنى من ذلك، فلما دخلت البيت نمت، فرأيت النبى ، فقال لى: ما الذى عملت فيما قلت لك؟

فقلت: يا رسول الله! كيف أدع مذهبا نصرته أربعين سنة، وصنفت فيه، ورسخت؟ يقول الناس: هذا رجل موسوس يدع المذاهب بالمنامات.

فغضب غضبا شديدا، وقال: كذلك كانوا يقولون لي، موسوس ومجنون، وما ضيعت حق الله تعالى لقول الناس، وتعد هذا من جملة المنامات؟ أتردد اليك فى الشهر ثلاث مرات، ثم تقول انه منام؟ هذه اعتذارات كلها باطلة فدعها، ولا تعرج عليها، وانظر هذه المسائل من الرؤية، وأن القرآن غير مخلوق، والقضاء والقدر، وأن الله يقدر على كل شئ، والله يلهمك فى ذلك الادلة؟ واياك أن توقع فى ذلك تقصيرا، واسلك فى نصرة ما قلت لك الكتاب والسنة، وحجة العقول، وانه حق وصواب، وأنا لا أعود اليك بعد هذا. في كلام طويل فهمته ولم ينحفظ لى.

فقمت ونصرت هذه الطريقة.