وصر في صرة عشرة دراهم، وجعلها في جيبه، واستعمل لفرد نعل قبالا واهيا، ثم توجه إلى الجامع، فلما مر بالشاب، قام كعادته، وتكلم بقبيح قوله، فلما حاداه الشيخ، اتكأ على نعله فقطع القبال، ثم مال إلى الشاب فسلم عليه، وقال: أي بني! لعل عندك قبالا.
فأعطاه قبالا، فأدخل زيد يده فأخرج الصرة من جيبه، ودفعها له، فقال الشاب: ما هذا؟
قال: صنعت لنا قبالا فكافأناك، ولك عندنا أمثالها.
وسار إلى الجامع، فلما كان انصرافه منه، ومر بالشاب، قام على قدميه وقال: الحمد لله الذي خص بلدنا بهذا الشيخ الفاضل، اللهم أبقه لنا، وأحرزه على المسلمين، فلقد انتفع به شباننا وحظي به شيوخنا.
فقال له جار له: ما هذا؟
فقال له الشاب: اسكت إنه أعطاني عشرة دراهم على إصلاح قبالة نعله، فليت له ببلدنا آخر!
* * *
وكان سبب خروجه من مصر، الفرار من المحنة في القرآن، بعد أن منع من السماع، فخرج سنة اثنتين وثلاثين ومائتين، إذ كان أبو بكر الأصم على قضاء مصر، وأخذ الناس بالمحنة، فاختفى زيد في بيته، ثم خرج فارا.
قال ابن سالم عنه: لقيت بالمدينة محمد بن مالك بن أنس، فقلت له: حدثني عن أبيك.
فقال: ما أحفظ شيئا.
فقلت له: تذكر.
قال: إني سمعته يقول: أدركت مسجد النبي ﷺ، تقوم فيه طائفة من الناس إلى ثلث الليل، ثم تذهب، وتأتي أخرى، فتقوم إلى ثلث الليل الآخر، ثم تذهب فتأتي أخرى وتقوم إلى الصبح.