للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال مرة أخرى لمن عاتبه فى تطويله: صاحب الباطل اذا طول عليه بلد (٦٦٢) وفشل، وترك طلبه، ورضى باليسير، وقد فسد الزمان وكثر شهود الزور، فرأيت التأنى أخلص، ثم ذكرت حديث النبي في حيصة وحويصة، أن النبي لما أشكل عليه الأمر، ودى القتيل من عنده.

فقال له السائل: فتنشط أنت لهذا، أن تعطى الصلح من عندك؟

قال: لا، انما ذلك على الامام الذي بيده بيت المال.

قال ابن عبد البر: ولما ولى القضاء، اتخذ لخدمته شيوخا أولى سداد، وسأل أن يرزقوا من بيت المال، فأجيب الى ذلك.

وله في الصفح والاعراض والتغافل عما لا شك كان عارفا به، أخبار مأثورة، ولو أضيفت الى غيره، عدت فى طرف من أخبار البله، ولكن كان له فيها غرض ومذهب، والله أعلم بسريرته فيه.

منها: أن أصبغ بن عيسى الشقاق قال: كنت مراكبا (٦٦٣) للقاضى أحمد، ببعض طرق البلد، اذ عن لنا رجل سكران، يمشى بين أيدينا مخبولا (٦٦٤) فجعل القاضى يمسك عنان دابته، ويترفق في سيره، لعله ينجو بنفسه، فلم يكن عنده شيء من ذلك، ووقف مستقبلا فلما دنونا منه ولصقنا به، مال الى القاضى وقال لى: مسكين هذا الرجل أراه مصابا في عقله.

قلت: بليته عظيمة.

فجعل يستعيذ بالله من محنته، ويسأله له الأجر على مصابه، ومضى ولم يعرض له.

وذكر أيضا أنه لقى آخر، وليس مع القاضي غير عونين، فقبضا على السكران، وجاءا به اليه فقال: احملاه معى.


(٦٦٢) ا: بلد -ط: باء -م: بياض.
(٦٦٣) ام: مراكبا -ط: مواكبا.
(٦٦٤) اط: مخبولا -م: محمولا.